عادل الساحلي
يقال إن إكرام الميت دفنه، غير أن هذا الأمر ليس بالمهمة السهلة في بلاد المسلمين، فالموت أصبح سوقا يخضع لمنطق العرض والطلب، ومجالا جديدا للتنافس التجاري، واستنزاف جيوب الأقارب بعدما أضحت مراسيم الدفن والجنازة تكلف غاليا.
شكلت المقابر على امتداد العصور جزءا من ثقافة الشعوب، فإن كانت مدن كثيرة تجتهد من أجل جعل عمرانها علامة مميزة تهدف إلى البصم على تألقها وتميزها، كما هو الحال بالنسبة إلى مقبرة الغفران بالدار البيضاء ، فإنها ما زالت تصر على المتاجرة بمآسي الغير، ووسيلة لمباشرة تجارة مربحة، والأمثلة كثيرة يعرفها الصغير والكبير في ظل صمت الجهات المسؤولة .
لا يختلف اثنان حول الواقع الكارثي الذي تعيشه أغلب المقابر بمدينة الدار البيضاء ، بالرغم من العمل التطوعي والإحساني لعدد من الجمعويين، ذلك أن هذه التحركات تبقى غير كافية، فالمقابر تئن منذ زمن طويل تحت وطأة الإهمال والنسيان، وتصير من سيء إلى أسوء.
جولة سريعة بمقبرة الغفران كافية لرصد حجم الإهمال الذي يعانيه الموتى في مستقرهم الأخير: قبور إسمنتية متناثرة هناك وهناك، وأخرى بالتراب تكاد تختفي وتستوي مع الأرض ينطبق عليها المثل العامي “ملي دفنوه ما زاروه”، روث الماشية فوق قبر، فضلات بشرية قرب قبر آخر، قاذورات في كل الأرجاء، أعشاب وطفيليات تغطي جنبات مساكن الموتى… مظاهر من بين أخرى تشهدها ” مقبرة الغفران ” شأنها شأن باقي مقابر الدار البيضاء التي تعاني الإهمال الذي حولها إلى فضاء مستباح لممارسة كل شيء.
سلوكيات كثيرة ومشينة تمس بحرمة المقابر منها تناول المخدرات وغياب الإنارة والمسالك الطرقية، التي تجنب الزائر والوافد عليها إثم المشي على القبور، مشيرا إلى فظاعة بعض الأمور التي تقع بالمقابر وتدنس حرمتها وتسيء إلى أصحابها.
وإذا كان الدفن مجانيا في بعض مقابر مغربنا الحبيب ، خاصة تلك التي وهبها المحسنون لدفن الأموات، فإن القيمين على مقبرة الغفران مستمرون في بيع القبور بمبالغ خيالية سنذكرها لاحقا ، غير أن التكاليف لا تتوقف هنا ، فللحفار نصيب وللصفائح الحجرية ثمن ولحفظة القرآن الكريم مقابل وغيرها من المصاريف .
الموت حدث أليم يجب أن يراعى فيه البعد الإنساني، لإعطاء التعاون الاجتماعي مدلولا ماديا يلامس الواقع اليومي للمواطن، ومشاطرة أقارب الهالك حزنهم، والتخفيف من مصاريف الدفن الذي يجب أن يكون مجانيا ، لنناشد من موقعنا المتواظع موقع كازابريس بضرورة رد الاعتبار إلى مقبرة الغفران ، بتكاثف جهود جميع المتدخلين، من جمعيات المجتمع المدني وساكنة الأحياء المجاورة وسلطات منتخبة، عبر توفير مراحيض عمومية بالمقابر حتى تتبوأ المكانة التي تستحقها وتسترجع هيبتها، ومسالك طرقية وإنارة وووووووو… وداك الساعة إذا كان الخلاص على الأقل هناك خدمة تستحق .
يتبع …
أين تذهب هبات المحسنيين ..