الوطنية بين جميل القول وخبايا الممارسة
صرنا نسمع وبشكل يومي مصطلحات كثيرة مرتبطة بكلمة الوطنية، هذا وطني وذاك ليس وطنيا، هذا العمل أو الفعل وطني وذاك ليس وطنيا، هذا الصوت وهذا القلم وطني وذاك ليس وطنيا…فمصطلح الوطنية أصبح يتداول ويعرف حسب مزاج أي شخص وكيفما يرتجيه طبقا لما يريد ولما يتناسب مع المزاج والمصالح، فهناك على سبيل المثال من يعتبر خونة الوطن وعملاء لأعداء الوطن.
إن مفهوم الوطنية لدى مجموعة من الخبراء يكتسي مجموعة ليست بالهينة من الأبعاد والتعاريف والممارسات التي من شأنها تحديد التموضع الأصح للشخصي الوطني والشخص المدعي للوطنية، لا يهم متى وأين أكثر مما يهم كيف وإلى أين، بالإضافة إلى أي من الممارسات تنتمي أو ضمن مجال الوطنية، وبالتالي السؤال الذي يجب أن يجوب داخل العقل ويطرح باستمرار هو ما هو الحد الأدنى من الممارسات التي تصنف صاحبها وطنيا؟ بل الأكثر من ذلك هل أي فعل يفرح المواطن يصنف صاحبه وطنيا؟ كثيرة هي الإسالة التي تسيل لعاب الباحث في هذا المجال، لكن سنحاول من خلال هذا المقال أن ندرج بعض الأمثلة المسترسلة لتحديد المفهوم الأصح أو على الأقل القريب من الصواب بغية الفهم الواضح لمفهوم الوطنية لدى الفرد وحتى المؤسسات والمجتمع برمته.
إن الممارسات اليومية المختلفة التي يمارسها كل مكونات المجتمع والتي يعتبرها كل فرد تدخل في مفهوم الوطنية بالنسبة له، انطلاقا من داك الجندي في الحدود وذاك الشرطي في المرور وذاك الأستاذ في الأقسام والموظف في الإدارات والمنتخب في تسيير الشأن المحلي والإقليمي والوطني وداك الفاعل الجمعوي في الأحياء وذاك الممارس الرياضي في الميادين وذلك التلميذ في القسم والطالب في الكلية وصاحب الشركة باستثماراته وتوفيره مناصب شغل، لكن هل حق ما يقدمونه هؤلاء الأفراد يدخل في نطاق الوطنية إذا ما حددنا أن المفهوم الأصح للوطنية هو انتماء الفرد للرقعة الجغرافية التي يعيش بها وولاءه المطلق لخدمة وطنه والاستعداد التام للتضحية بكل ما يملك في سبيل الدفاع عن وطنه و بأي وسيلة كانت. إذن فالوطنية هي مدى استعداد أو تقبل الفرد أو المواطن للتضحية {مادية أو معنوية أو جسدية} في سبيل الوطن بما يحتويه من أفراد وممتلكات وعقائد وسيادة وكرامة، هذا يعني أنه ليس كل من يملك أو تملك جنسية بلد هو وطني، نعم هو مواطن لكنه ليس بالضرورة أن يكون وطنيا طالما ليس له الاستعداد أو الرغبة بالتضحية في سبيل الوطن وخدمة الوطن أو حتى ليس له الولاء للوطن.
وبالرجوع إلى من يطلقون على أنفسهم بالوطنية أو من يطلق عليهم وطنيون أي الأشخاص الذي وهبوا أنفسهم وأموالهم ووقتـــهم في سبيل الوطــــــن و خدمتــــه، نجد بعض الموظفين و الرجال و النساء من السلطة من أمن و قوات مسلحة و غيرهم من الموظفين الذي يأدون وظيفة مقابل راتب شهري، أي غياب عنصر التضحية المجانية أي أداء خدمة دون مقابل سواء بحمله القلم و تدريس الطلبة أو التلاميذ أو بحمله السلاح و منع كل من أراد بالوطن سوء، لكن هذا لا يمنع أن المهنة في حد ذاتها و خصوصا لحاملي السلاح شجاعة للتقدم لها، لكن هل يجب أن نقول على من يأدي وظيفة مقابل رابت أنه وطني حسب التعريف الأول؟؟؟؟، سؤال مني ومنكم الإجابة أعزاءي القراء، و ننتقل من الوظيفة إلى ما يعتبر عملا تطوعيا خدمة للوطن كالمسيرين للشأن المحلي من منتخبين وفاعلين جمعويين، بالتركيز بشكل أكبر على المنتخبين الذين تعتبر وظيفتهم هي وظيفة تطــــوعية و تصنف في خدمة الوطن و أن أصحابها وطنيين سنشير قليلا إلى بعض الأشياء لنجزم في هل هم وطنيين أم يدعون الوطنية فقط، و أكيد سأترك الحكم للقارئ، فالمنتخب كيفما كان تسييره و حنكته و مهارته فهو يتقاضى راتبا يعتبر تعويضا عن عمل تطوعي في الأصل و هنا تبقى علامات الاستفهام و بالتالي فهذه عريضة تكسر قاعدة التعريف الخاص بالوطنية بالإضافة إلى استغلال موارد و إمكانيات المؤسسة التي تسيرها كمتطوع على الأقل مثلا للتنقل و غيرها إذ لم تتعدى ذلك إلى استغلالها في ما هو شخصي و هي أيضا تكسر قاعدة التعريف السابق، بالإضافة إلى ما أعتبر أضعف الإيمان هو استغلال المنصب لتمرير أو قضاء أمور شخصية أو لأشخاص أخرين سواء بالضغط أو عن قصد أو بغير قصد، هل يحق لنا أن نقول أن هؤلاء وطنين أم لا و هل يحق لهم أن يطلقوا عن أنفسهــــم كلمــــة أنا وطني، أكيد للإشارة فقط فانا لا أعمم فلكل قاعدة استثناء في الحياة، و أيضا هناك الصالح والطالح وأنا دوما في مقالاتي أثير ما يجول في خاطري بصفتي جزء من المجتمع الذي أنتمي اليه بهويتي وشخصيتي و مبادئي لا أقل و لا أكثر.
في ختام هذا المقال نقول إن الوطنية ليس قولا بل فعل يرى من طرف الأخر، بالإضافة أن الوطنية ليست مقترنة بمجموعة بل بالفرد في حد ذاته، لأن كل فرد لا يعلم نوايا الأخر، بل الأكثر من هذا فالوطنية هي السلوك الوحيد والأوحد في الكون الذي لا يمكن أن يمارس بطريقة جماعية بل فقط بشكل فردي وأكيد سأعيد كلمة أرددها دوما لكل وطنيته لكن الوطن للجميع.
الكاتب: عبد الاله رشقي