المدن تسكن أبناءها، كما تسكن الروح الجسد وكما يساكن الجلد اللحم ويلفه. يولد المرء على أرضها، وتستنشق رئتاه أول النسائم من هوائها العليل .كتب العديد من فرسان الادب وفحول الرواية عن مدنهم لأنهم كانوا مسكونين حد الهوس بها.أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر شارل ديكنز في رائعته قصة مدينتين، ونجيب محفوظ الذي كانت حواري القاهرة وأحيائها منبعا لأهم ابداعاته.هذه المدينة التي أكتب عنها اليوم، هي مدينة صغيرة في حجمها ، كبيرة في رمزيتها .لأنها تعتبر حاضرة دكالة مدينة آزمور.
اليس من غيور على هذه المدينة .. الغريب في الأمر أن ابنائها يكرهونها ، يقضون عليها رغم جمالها وهدوئها الذي يحسدون عليه من القريب و البعيد .. يكرهون انفسهم ..يكرهون بعضهم .. غريب أمر هؤلاء، فلايمكن أن تقوم لك قائمة وهم على علم بقيامها . فكما لكل البشر على مستوى العالم هوايات مختلفة فمنهم من يهوى الرياضة ” أو من يهوى الصيد ، او من يهوى القراءة أو الكتابة …الخ. فأهل هذه المدينة يهوون الكره و البغض .. يقال أحبك لوجه الله وفي هذه المدينة العتيقة الجميلة الهادئة يكرهون لوجه الله .. معضلة صارت في دمائهم سارية في عروقهم . كثيرون يقولون أن سبب هذه المعضلة هو قلة ما يلهيهم عن فعل هذا . لكن أنا شخصيا أعارض هذا القول غير المرتكز على أي معطى علمي صحيح . ليس للحقد و الكره و البغض علاقة بالعمل أو العطالة غير أن كثيرون هم في هذه المدينة موظفون اطر …الخ و يسري في عروقهم هذا الفعل اللأخلاقي المرفوض انسانيا واخلاقيا. من المفترض ان نتظامن مع بعضنا البعض أن نفرح لبعضنا البعض أن ندعم بعضنا البعض لما فيه صلاح هذه المدينة التي تنكر لها ابناؤها الا قلة قليلة معدودون على رؤوس الأصابع و للأسف الشديد هم الذين يكيلون لهم سكان هذه المدينة السب و الشتائم ذهابا و إيابا ..
في اعتقادي و أرجو أن أكون مخطئا أن هذا الفعل ( الكره و البغض ) الذي يسري في عروقهم نتاج تاريخي توارته الاجيال و لقن . و اتمنى ان يعي هذا الجيل لما يفعله و يتحمل مسؤوليته في كل ما يتعلق بمستقبل هذه المدينة التي تبكي أطلالها لأنه من يروج لهذا الخطاب و هذا السلوك العدمي يريد من ورائه ما يريد …ليكن صراعنا حضاريا مرتكز على القيم و المبادئ و الاخلاق …مدينة ازمور الجميلة مسؤولية الجميع وستظل تحمل ماضي من رأى النور على أرضها . ومهما فر من فر وتنكر من تنكر لها فحتما سيؤول يوما ما قدره إليها.