فاطمة الأكحل
أصدر المجلس الوطني لحقوق الانسان تقريره السنوي 2020، عن حالة حقوق الانسان بالمغرب والمعنون: ” كوفيد 19 وضع استثنائي وتمرين حقوقي جديد”؛ إلى أي حد يستجيب التقرير الجديد للمعايير التي وضعها المجلس لنفسه في تتبع وضعية حقوق الانسان بالمغرب؟ وهل نجح في مقاربة الواقع الذي فرضته جائحة كورونا؟
شكلت سنة 2019 نقطة محورية في مسار المجلس الوطني لحقوق الانسان من خلال تجديد واستكمال هياكله وتحديث فلسفته وإطار اشتغاله حيث تبنى “مقاربة ثلاثية الأبعاد للوقاية من الانتهاكات والحماية منها والنهوض بحقوق الانسان” كما جاء على لسان رئيسته أمينة بوعياش في كلمتها الافتتاحية لتقرير سنة 2019. وخلال سنة من الاشتغال أصدر المجلس مجموعة من التقارير والمذكرات والتوصيات لعل أهمها مذكرة حول النموذج التنموي الجديد تحت عنوان “فعلية الحقوق والحريات في المغرب.. من أجل عقد اجتماعي جديد”. وحيث أن النقاش حينها انصب على المشروع التنموي المراد تحقيقه، لم يكتمل بسبب ما فرضته جائحة كورونا على العالم ومن ضمنه بلدنا من تحديات اقتصادية واجتماعية وحقوقية. وهو ما أدخل البلاد في “وضع استثنائي وتمرين حقوقي جديد” استعرضه المجلس الوطني لحقوق الانسان في تقرير سنة 2020.
من الناحية الشكلية لم يخرج التقرير عن الإطار العام لإعداد التقارير السنوية وصياغتها وإصدارها. إذ تتشكل فقراته تباعا بنفس النمطية التي انتهجها في تقارير سابقة. غير أن ذلك لا ينقص من أهمية هذه الوثيقة في شيء؛ فالمجلس نفسه يعتبرها “من وسائل إثارة انتباه الحكومة وجميع السلطات المعنية إلى الانتهاكات التي قد تطال الحقوق والحريات.. وإلى تعزيز السياسات العمومية بما يقوي ارتكازها على المقاربة الحقوقية”. وفي هذا الإطار، وتفعيلا لدوره، يسجل المجلس أن إعلان حالة الطوارئ الصحية لا يوجد له سندا في الدستور، وأن فرضها أدى إلى تقييد بعض الحقوق والحريات الأساسية؛ كما أن المرسوم بقانون المشرع لهذه الحالة “لم يشر إلى تاريخ بداية سريان حالة الطوارئ الصحية وأن السلطات بدأت في اتخاذ التدابير الصحية قبل إصدار المرسوم… ولم يشر إلى ضرورة الرجوع إلى البرلمان إذا اقتضت الضرورة تمديد مدته…”، وهو ما يطرح إشكالات تتعلق بالحقوق الفردية وأخرى تمس توازن السلط.
وخلال استعراضه لوضعية حقوق الانسان بالمغرب، وتأثرها بالجائحة؛ واصل المجلس رصد مدى احترام الحق في الحياة مقدما إحصائيات دقيقة عن حالات المحكومين بالإعدام وحالات المضربين عن الطعام ورصد بعض حالات المتوفين المحرومين من حرياتهم. وعلى مستوى الحق في الصحة سجل المجلس مدى تأثير الجائحة على القطاع الصحي بما يؤثر سلبا على التمتع الكامل بالحق في الصحة. كما أن الجائحة أثارت مجموعة من الاشكاليات أثرت على التمتع الكامل بالحق في التعليم للجميع حيث مست مبدأ تكافؤ الفرص للولوج إلى هذا الحق، كما رصد المجلس “خصاصات هيكلية في ما يخص استعمال الوسائل التكنولوجية في العملية التعليمية عن بعد… كما أثارت الجائحة مشكلا آخر يتعلق بالتعليم الخاص… أسفر عن احتجاجات في عدد من المدن المغربية”.
واستعرض تقرير المجلس لسنة 2020 كيف أظهرت الجائحة “أن الآثار الاقتصادية و الاجتماعية المترتبة عنها شكلت محكا غير مسبوق… مما أثر على التمتع في الحق في الشغل وسبب معاناة كبيرة وكشف درجة كبيرة من الهشاشة لدى فئة عريضة من العمال”، إلى ذلك أدت التدابير المتخذة لمواجهة الجائحة إلى التأثير المباشر على الحق في حرية التنقل وهو ما ساهم في تأزيم القطاع الاقتصادي وخاصة السياحة وأوجد مغاربة ظلوا عالقين خارج التراب الوطني حتى 11 يونيو 2020..
وبخصوص الحق في التجمع السلمي فإن المجلس يرى أن تقييد الحق في التجمع الحضوري أمر ضروري لأسباب صحية صرفة ومشروعة خصوصا مع وجود بديل تمثل في اجتماعات عن بعد.. وسجل المجلس بارتياح تزايد عدد الجمعيات المصرح بها لدى السلطات الإدارية وإلى التطور البطيء ولكن المؤكد في ما يتعلق بحرية التعبير والإعلام، وسجل أن التطور التكنولوجي لما له من آثار إيجابية على تدفق المعلومات قد يشكل منصة لدعوات التحريض على خطابات العنف والكراهية.. وفي ما يتعلق بالمساواة وعم التمييز سجل المجلس أن التدابير التي اعتمدتها السلطات في مكافحة الجائحة كانت غير تمييزية.
بالنسبة للتغيرات المناخية والحق في البيئة، يسجل التأثير الإيجابي جراء توقف العديد من الأنشطة الصناعية ووسائل النقل كما يسجل كذلك تزايد المجتمع الوطني بالقضايا المرتبطة بالحق في البيئة.
وسجل المجلس بارتياح صدور القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية ، وإن لاحظ بطءا في تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية . كما سجل المجلس بارتياح المبادرات التي اتخذتها السلطات من أجل التصدي للعنف ضد المرأة بعد مرور سنة على صدور القانون المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء حيز التنفيذ غير أن “المجلس يسجل أن العديد من التحديات مازالت تعترض تمتع النساء والفتيات بحقوقهن الكاملة… كما يسجل المجلس التأخر الحاصل في أجرأة هيئتين دستوريتين هما الهيئة المكلفة بالمناصفة ومكافحة جميع أشكال التمييز والمجلس الاستشاري للأسرة والطفولة.
ولاحظ المجلس أن الأزمة الوبائية زادت من أزمة عدد كبير من المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء؛ وإن كان يثني على “المبادرات المتنوعة التي قامت بها السلطات العمومية وفعاليات المجتمع المدني الهادفة إلى التخفيف من حدة آثار الأزمة على حقوق هذه الفئة.
كما تطرق تقرير المجلس إلى مختلف الأنشطة والتقارير والتوصيات التي ترتبط بعمله وبالمهمة الموكولة إليه في علاقته مع مختلف المؤسسات الدستورية الوطنية والهيئات الحقوقية الدولية..
يعد الحفاظ على تقليد التقارير السنوية حول حالة حقوق الانسان بالمغرب إنجازا يسجل للمجلس الوطني لحقوق الانسان، ويسمح بتوثيق تراكمي لتطور الحالة الحقوقية ببلادنا ضمن نموذج ناشئ للحريات، كما يفتح المجال لتقييم الهيئات الدولية وتسهيل عمل الجهات المختصة، ويسمح بإدماج المقاربة الحقوقية في آداء السياسات الحكومية لما يتناسب ومعايير التنمية المستدامة، ويمكن البلد من الاندماج في المنظومة الحقوقية وتحسين ترتيبه وصورته عالميا، مما يسمح للمغرب بالحصول على تصنيف متقدم كجهة مستقرة وجاذبة ويرقي حضوره أمميا.