مصطفى العراقي
برزت خلال فترة الحجر الصحي ببلادنا عدة ظواهر تم التعبير عنها إبداعا وممارسة ، في الواقع وفي الافتراضي ، تمثلت أساسا في مبادرات جماعية أو فردية، انخرط فيها الشباب بشكل طوعي عكست بل أكدت وكما كان الشأن تاريخيا أن هناك إرادة حقيقية صادقة لدى هذه الفئة في بناء المشترك المجتمعي والمجالي بصيغة ايجابية صادقة.
في العديد من مدن وقرى المغرب بادر الشباب إلى دعم مناطق الهشاشة البشرية ماديا ومعنويا . حيث استفادت آلاف العائلات من متطلبات الحياة اليومية التي حال تسارع إجراءات الحجر في حرمانها من اتخاذ الإجراءات الضرورية أو لأسباب مزمنة منها الفقر و شظف العيش … كما تم استهداف الأشخاص بدون مأوى وتوفير سقف مؤقت لهم لحمايتهم من الوباء وتداعياته .. أو الانخراط في عمليات التعقيم ..
ولأن التعليم عن بعد باغت التلاميذ وعائلاتهم فقد تطوع مئات من الشباب بموازاة الهيئة التعليمية ، في إنتاج دروس دعم ووضعها رهن الاشارة بمواقع ومدونات ومنصات ووسائل التواصل الاجتماعي ..بل هناك من تطوع لتوزيع مضامين هذا الدعم مباشرة على المعنيين في احترام تام للتدابير المتخذة ..
لقد أدى الحجر الصحي إلى حرمان الأطفال من حقهم في الترفيه وفي التنشيط التربوي . لكن أطر الجمعيات التربوية لم تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا الوضع ..فبإمكانيات متواضعة وبإبداعات رائعة تم إنتاج تنشيط تربوي عن بعد ، متعدد المضامين ، متنوع الصيغ ، سهل الولوج لمن توفر لديه الربط بالانترنيت . وهو إنتاج ساهم فيها بشكل مكتف الشباب واليافعون وحتى الأطفال للتخفيف من تكلفة الحجر النفسية والصحية والتربوية…
وخلقت عمليات الدعم التعليمي والتنشيط التربوي تفاعلات واسعة بين منتجيها والمستفيدين منها وعائلاتهم . عكست مدى نجاحها ومردوديتها . ولعل مطالب استمراريتها حتى إلى ما بعد الحجر الصحي دليل على هذا النجاح .
من الظواهر الإيجابية هو كثافة الندوات والحوارات عبر تطبيقات تبث بالمباشر انخرط فيها على الخصوص الشباب الذي ناقش وتداول في قضايا عديدة واستضاف فعاليات فكرية متعددة . قضايا بعضها مرتبط بالراهن وبعضها يستشرف المستقبل أو يعيد قراءة أحداث ووقائع ثقافية أو سياسية أو اقتصادية أو حقوقية…
وفي العديد من الأحياء السكنية بادر الشباب الى زرع مظاهر جمالية بالمجال وتأثيته وتزيينه بشكل تطوعي أعطى للنظافة مدلولها وللبيئة متطلباتها .وتشهد الصور التي يتم نشرها يوميا من هذا الحي أو ذاك في هذه المدينة أو تلك على المجهودات المبذولة بسخاء..إلى درجة أن الشباب ناب عن الجماعات الترابية التي عجزت في القيام بالعديد من أدوارها واختصاصاتها..
إنها مبادرات مضيئة اتخذها الشباب في زمن كان قاسيا بوبائه ، مزعجا بحجره . مبادرات يجب على الدولة الاعتراف بقيمتها وبأهميتها وأن تتصالح مع شبابها الذي يعد هو البوابة الرئيسية والدعائم الصلبة لأي تنمية أو تحديث أو بناء مجتمع جديد. على الدولة أن تتخلى عن نظرتها السلبية لشبابها وأن تكون لها قناعة راسخة بأن تقدم المجتمعات وعبر التاريخ كان رأسماله هو فئة وإبداع وعطاء الشباب .. الدولة الناجحة هي التي تعتمد على شبابها وتستفيد من دروس التاريخ..والدولة الفاشلة ، أمس واليوم وغدا ،هي التي أوصدت الأبواب في وجه…الشباب.